جبل (التيس) الشاهق الذي يبلغ ارتفاعه ما يقارب (1927) متراً عن سطح البحر
تشكل الجبال لدى السكان القاطنين في القرى الجبلية؛ ذاكرة المكان وروحه وشاهداً على نبضه، وسارده للتنوع والتحول في أرجاء المكان، وتعمل على تشكيل علاقتهم مع المكان هوية وذاكرة، لحيثُ أنهم نشأوا في أحضانها وبين وديانها، وتعد؛ من المعالم الرئيسية لديهم منذ القدم، وأصبحت تتناقل الروايات والاساطير عنها جيلاً يتلو جيل.
أما في وقتنا الحاضر وفي ظل المتغيرات العصرية لم نعد سوى إلا نمد أبصارنا إلى الأفق البعيد لمشاهدة تلك الجبال الشاهقة ونمزج الحاضر بالماضي، ونستحضر شموخها وحدة أوديتها وعبق التاريخ، ونستذكر حياة الأجداد، وطريقة عيشهم، ومفردات يومهم، وتفاصيل نهارهم، في صورة مكتملة الأركان عايشها البعض، ولم يحالف الحظ آخرين أن يعايشوها؛ وتؤكد المعاني والقيم السامية التي ظل يتسم بها المجتمع قديماً، كالتعاضد والتعاون والصبر على الشدائد وتحملها، فضلاً عن ذلك، فالماضي يعني ببساطة تاريخنا الذي يجب أن نعتز به، ونتعلم منه، لمجابهة عثرات المستقبل وتقلبات الزمن.
جبلي (التيس) الشاهقين الَلذين يبلغ ارتفاعهما ما يقارب (1927) متراً عن سطح البحر تعتبر علامة بارزة عبر السلسلة الجبلية البنية اللون المتفاوتة الارتفاع ووعرة المسالك، تبرز للمشاهد في وادي ممنا الواقع شمال محافظة المخواة بمسافة 20كم، حيثُ تنمو الكثير من الأشجار والنباتات البرية المختلفة كأشجار اللبخ المعروف محليا بالصومل وتوجد في شقوق وسفوح الجبال، والعدن، ومن النباتات العطرية الضيمران، الدوش، العثرب، السك، نبات الشار الذي يعتبر هاماً في إنتاجية العسل، والقطف، وأشجار السيال ، والعرعر في أعلى القمة، والغلف، والأراك في حواف الأودية السفلى، وفي السفوح الشمالية الوعرة السلم، والسمر، والبشام، والنبع، ، وكانت تعتبر مرتعاً جيداً لرعي المواشي، وكان الأهالي يقومون برعي مواشيهم في حدود متعارف عليها بينهم من كلا الجوانب، ويطلقون عليها أسم(محمية) .
إلى جانب وجود من الأحياء الفطرية كالوبر والقرد ، وثبت وجود بعض من الحيوانات المفترسة كالفهد، والذئب، والضبع، وعناق الأرض (الوشق) والنمس، ونوعان من الثعالب هما: الثعلب الجبلي ويسمى محليا أبو غرّة والآخر هو الثعلب الأحمر، والنيص، ومن أنواع الطيور ، الحجل، والقماري، والسمن، والغراب، والصقور ، والنسور الحمرا الجبلية بالإضافة الى الدواب الزاحفة.
الأول منهما؛ يفصل بين وادي ممنا، ووادي منجل من الجهة الجنوبية الغربية، ويطُل على عدد من الأودية من نفس الاتجاه، كـ( وادي راش، وهوران، وسيالة الحجة، وبران)، مساويا لقمة جبل شدا الأعلى، وجبل الحجيل في بيضان الباحة، وعلى نفس الامتداد عبر السلسة الجبلية يقع قرينه الثاني المتصل ويطلق عليه أهالي وادي ممنا جبل الطارفة (شعيب عرفة) الذي يطل هو الاخر على قرى سيالة السفلى(قرى راكة) وكذلك وادي دوقة الاحلاف ، ويطلق عليه أهالي سيالة جبل التيس الثاني، وتضم السلسلة عدداً من الجبال الأخرى، لكلاً منها خاصية حدودية تطل على أماكن أخرى، لكن هذان الجبلان يُعدان من أهم المعالم الرئيسية لديهم نظراً لارتفاعهما الشاهق حيث كان الأهالي يضرمون النار في اعلى قمة إحدى الجبلين، وذلك كإشعارات بدخول مناسبة عليهم كـ(حلول مناسبة شهر رمضان، ومناسبة العيدين)، وكذلك لبعض من المناسبات الأخرى المتعارف عليها فيما بينهم.
ونظراً لما يحتله هذان الجبلان من قيمة جغرافية حيثُ أنهما يعتبران على امتداد واحد ، لذلك دائما يقولون الشعراء (التيسين) :
الشاعر شعيبي الشعشعي العُمري من قرى سياله السفلى رحمه الله عندما سقطت زوجته من اعلى قمة احدى هذين الجبلين ولقت حتفها، فاضت قريحته بهذه الأبيات على طرق الجبل يقول فيها:
انه يقول الشعشعي خيلي تردت
وعليه الطير مدت
الله يا التيسين يعطيك الصواقع
يغدي محلاتك مواقع
ويتواسى جر سياله بممنا
وبعد نذرى فيه الدخن والمعجبانِ
الشاعر معيض احمد العُمري يقول: منذ أن بلغت الرشد وأنا لا أرى الا هذا الجبل ولا أعرف إلا إياه، ذلك الجبل المظلوم تكاد تخلى قصائد الشعراء الجنوبيين من ذكره ليس لانه أقل شموخا وأنفة من غيره بل أن “جبل التيس” ظلمته التسميه.
وفاضت قريحته بهذه الأبيات.
يا جبل ممنا سقاك السيل يا سيّد ربا ونيس
والله انّا نفتخر بك يا جبل يا شاهــــــق ويا راسي
لكن انت اسمك ظلمك ولاثغنا بسمك الشعار
يا عريض المنكبين ويا ملاذ الرعب وملـــــــوك الجن
والله ما نتب تيس يا رمز الشموخ التيس من سمّاك
انا ربعي لو يشبّون اللظى لي في صخورك ليله
انا عهد الله لـ احرق جنّ عبقر من لهـــــيبها
أسباب التسمية:
تواترت الرويات التي تناقلها الأهالي جيل تلو جيل عبر العصور، فقيل انه كان هناك تيس يدخل مغاره في هذا الجبل ويخرج منه مبللاً فاكتشفوا انه يوجد بداخله ماء ،كانوا لا يعرفونه الا عندما دلهم هذا التيس فسموا هذا الجبل باسمه، ويقول عنهما الباحث المجتهد في التاريخ المروي محمد بن صالح السيالي، تناقل الأهالي قصّة تسمية جبلي (التيس)، التي تكاد أن تكون أقرب للحقيقة فيقال بأنّ السبب يعود إلى أنّ هذين الجبلين سميا بهذا الاسم نظراً لارتفاعهما الشاهق وتقابلهما على امتدادٍ واحد لذلك تم تشبيههما من الأهالي منذ العصور القديمة بقرون التيس (الذكر من المَعْزِ)، وذلك حسب ما تناقله الرواة من كبار السن، ولا علم لدي عن أي تسميات آخرا يتم تداولها.
مشيراً بالقول: إنهما ؛ يشكلان ترابط بين الأودية عبر الطرق الرجلية التي كان يشقها الأهالي قديماً مشياً على الأقدام عبرها؛ من وإلى القرى التي يطلان عليهما ، من قرى وادي ممنا عبر هذان الجبلين، حيثُ ان الأهالي تربطهم أواصر المحبة وصلة الأرحام، وكذلك تبادل المنافع فيما بينهما، وكانوا يقومون برعي مواشيهم عندما كانوا يعتمدون على تغذيتها من الأشجار الجبلية الموسمية التي تزدهر أثناء هطول الأمطار، أما في وقتنا الحاضر ولله الحمد في ظل ما ننعم به لم يعد احد يصعد إلى الجبال مثل السابق من أجل الرعي وخلافه، ولكن تظل تلك الأيام الخوالي تشكل لنا حنيناً لا ينسى وتبقى الذاكرة تستلهمها ، مع ايماننا بأنه لا عودة لها .